ظل ابيض

المقاله تحت باب  معارض تشكيلية
في 
21/11/2016 06:00 AM
GMT




في تجارب علي زيني الفنية التي أمكنني متابعتها ، نجد المرأة ، جسداً وخطوطاً ووضعيات ، محتفى بها جماليا . إنها اختيار جمالي كامل ، لم يشأ الفنان تحويله إلى تجسيدات تخفي أفكارا اجتماعية وفكرية ، أو يُثقله بطبيعة لا تعود إليه . حتى التقنية التي اختارها ، والتي تمارس هيمنة عن طريق ما تتركه من تأثيرات ، تصب في هذا الهدف . فالضوء الصناعي الخارجي ، المُسيطر عليه في محترف الفنان ، يمارس دوراً في تحويل الجسد الأنثوي إلى شكل جميل مستغرق بنفسه ، مكتف بنفسه ، ولا يحتاج إلى علاقة تفسره أو تمنحه معنى خاصاً ناتجاً عن اسقاطاتنا النفسية .

إن تلك التقنية تظهر أو تخفي أجزاء مختارة من الجسد الأنثوي ، حسب موقع الضوء منها ، فالضوء ينفذ فيها ، ويعبرها نحو سطح فني يغدو أبيض شفافاً ومخترقاً .

في هذا المعرض يواصل علي زيني اهتمامه بالمرأة كقيمة جمالية ، لكن في سياق ثيمة يتحول فيها الجسد إلى شخصية تتكرر في وضعيات مأسورة .

من وجهة نظر موضوعية يمكن القول إن الوضعيات نفسها تأسر الجسد ، لكن هذا هو أسر ناتج عن طبيعة وجودنا الناتئ – وجود الجسد في مكان أو في فراغ . أسر الصوّر التذكارية العذبة ، المحايد بعض الشيء ، إذ تظهر الأنثى في خطوطها الجميلة ، في تخصراتها ، ليونتها ، حركاتها في الأذرع والسيقان ، وطريقة الجلوس .

هذا مفهوم ، وقيمته الجمالية مؤكدة . لكن علي زيني في هذا المعرض، كان بصدد مشروع بصري – فكري أولي تظهر فيه المرأة مقيّدة ، ومقيّدة على نحو تبدو فيها الوضعيات تابعة لهذا القيد . إنه قيد يرفع الأذرع ، كأنه يسحبها إلى الأعلى ، وقيد يمسك السيقان ويسحبها إلى أسفل . وعلى نحو ما يصبح القيد محددا لحركات الجسد كما هو محدد لوضعياته.

للزيادة في التقييد ، وإن هو لا يظهر قويا وعنيفا ،  أن مركز القيد خارجي تماما ، غائب ، لا يظهر في الصورة ، وحبل القيد ، ينتهي عند حدود الصورة . هذا الغائب يحيلنا إلى وجود قوة ، أو مجموعة قوى ، هي التي ترفع الأيادي وتكبلها ، وتحوّل النساء إلى ما يشبه الدمى التي تحركها يد خفيّة .

هل نستنتج من هذا الوصف أن علي زيني يريد أن يقول إن المرأة دميّة تحركها أياد خفية ؟ لا أرى هذا ، وإن كانت بعض العلاقات في الصور توحي بذلك . من الناحية الموضوعية يخبرنا الوضع البشري ، والشروط الاجتماعية ، وأوضاع الاضطرار التي تضعف من حرياتنا ، أننا جميعا في خيارات صعبة أو أن الظروف هي التي تتحكم بنا، وكأننا دمى ، سواء كنا رجالاً أم نساءً ، بصرف النظر عن الامتيازات الذكورية المعروفة.

لكن أهم من هذا التقدير الاجتماعي العام ، أن بناء الصورة لدى الفنان ، وتحولاتها ، والتقنية المعتمدة في تنفيذها ، تنمو بالتعارض مع هذه الفكرة . إن روحية هذه الأعمال تفلت على هذا النحو أو ذاك من التحديد الفكري إلى التحديد الجمالي . إن القيد نفسه وظّف جمالياّ.  
والحال أن الفنان أقرب إلى الرجل المتعاطف منه إلى الرجل الذي يصدر أحكام قيمة بشأن الحالة العامة للنساء. إنه في الحقيقة يواصل توقير المرأة ، بتحويلها إلى هالة من الضوء والجمال والفتنة .
يضافر علي زيني بين الرداء الشفاف للمرأة والضوء  ، وهما الاثنان يسهمان في توليد قيمة روحانية للعرض البصري . ففيما ترفع القيود الأذرع ، وتلجم حركة السيقان ، يخترق الضوء الأردية الشفافة البيضاء للمرأة، أو يترك تأثيراته عليها ، فمرة يزيد من عتمة الطيّات ، ومرة يفتحها ، ومرة يلامسها ، ومرة ينفذ فيها .

إن الفنان يضاعف تأثير الرداء الشفاف بإعادة تفسيره بالضوء ، وبإعادة تلوينه نسبيا بتقنية الديجتال آرت ، مؤكدا التأثيرات التي يتركه الضوء واللون على حركة خطوطه وخطوط الأجساد التي يغطيها أو يظهر ليونتها .   


في أعمال سابقة كان علي زيني مهتم بحركة الجسد الأنثوي جماليا ، وهذا الإهتمام لا يبطل في هذه التجربة الفنية الجديدة ، بل يتأكد ، إذ تتحوّل هنا الحركة إلى وضعيات جسدية كاملة  ذات دلالة :  تضرّع ، صلاة ، تماثل وتكرار  ، هالات دائرية للضوء وجسد ينتظر ..
علي زيني يشيّد في هذه التجربة البصرية - التقنيّة معالم استوديو تجريبي ، حيث تقف الكاميرا وعمود الضوء إلى جانب عينيه الراصدتين! 

سهيل سامي نادر