... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

مقالات

 

 

 

 
 
   
في انتظار 'آرت دبي' كذبة الفن وسلفنة الفواكه التالفة

فاروق يوسف

تاريخ النشر       19/11/2011 06:00 AM




لا تهمني الصفقات التجارية وهي حق مشروع لأصحاب الصالات الفنية في (سوق فنية عالمية) هي أرت دبي، بقدر ما يهمني البعد الثقافي الذي تنطوي عليه تظاهرة فنية كبيرة هي آرت دبي أيضا؟.

ما بين شبحي السوق الفنية والتظاهرة الفنية قد نفقد الكثير من الأمل وقد نكتسب نوعا من الشجاعة التي تحثنا على التمرد وقول الحقيقة. يمكنني أن أزعم أنه من غير ذلك البعد الثقافي تفقد تلك الصفقات قيمتها الإنسانية والحضارية، ويصمت الدوي وتأخذ الحيوية كلها طابعا عدوانيا، حيث تبدو مثل محاولة لنصب الكمائن العاطفية والضحك الساخر الذي يخفي هلعا بصريا. لا بأس، هناك قدر هائل من الاستعراض. جنون الميديا الجديدة يتطلب الكثير من الحذلقة والاناقة المتصابية والمديح لأعمى. لا بأس. هناك ميل عابث إلى البذخ. هناك طرفان شكلانيان يقفان خارج المعنى الإنساني الحر والكريم، يتسلى أحدهما بالآخر من خلال تجريده مما يملك، متباهيا به. الشيء الوحيد الذي يجعله موجودا: المال وهو بضاعة زائلة. الصورة وهي ضربة ضوء مؤقتة. أهبك المال لتجعل مني صورة متألقة. التقطك في صورة لتطلق جنون كرمك المبتذل. أين يقع البعد الثقافي في علاقة شاذة من هذا النوع؟ تقع تلك العلاقة في النقطة التي يستعمل فيها الاثنان الفن وسيطا ثقافيا لتبادل مشاعرهما المباشرة.

في تلك النقطة تقع الاجابة على سؤال من نوع: كيف تنظر دبي الى الآخر، وكيف ينظر الآخر إلى دبي؟

هذا السؤال ضروري لاستباق كل معلومة. الآخر البعيد، المختلف هو بالنسبة لدبي نبع الهام ميسر وملغز في الوقت نفسه. ميسر بسبب وقوعه في غواية المال وملغز بسبب أصوله وأهدافه المجهولة ولغته النفعية السارحة في حقول هذياناتها المتأنقة على حساب المعنى البشري. دبي من جهتها لا تكف في كل لحظة عن تسويق صيغتها المثالية، باعتبارها الهاما تخطى فقر الصحراء وخواءها وقفز إلى ما وراء السحب. من الطبيعي ان لا تنصت الامارة المثقلة بالديون إلى الصوت الهامس، الخفيض الذي يبحث عن ناسها وصيدها البحري وخيام سادتها وأسواقها الشعبية والرمل العالق بأقدام أطفالها وحنان عيون نسائها. لن تجد شيئا من دبي في دبي. بل أن دبي نفسها تتحاشى الوقوع في الغرام المتأخر. تنأى بعيدا عمن يحبها ولا تحب أحدا. النرجس في صورته البرية الوحيدة.

ما بين ناشط ومنشط تتسع صفة ذلك الآخر القادم من وراء البحار، شرقا وغربا، ليكون موضع دلال مستضيفيه العرب وليكون حاكما خفيا على ذائقتهم الثقافية المزيفة، الناهضة فجأة من ركام الجمل الافتراضية.

ناشط هي مهنة مريبة بسب غموضها مثلها مثل مهنة أخرى هي (رجل اعمال). فقد تشمل المهنة الأخيرة المهربين ولصوص المصارف وتجار الأسلحة والمخدرات ومروجي الاغذية الفاسدة وصولا إلى تجار الحروب والمجاعات وسواهما من الفجائع التي حفل ويحفل بها تاريخنا المعاصر. ولا غرابة في أن يكون للناشطين ورجال الأعمال موقعهم الملحوظ في سوق تتغنج بالفن (نظريات وأقاويل وتقنيات وسلوكا وأعمالا تفرط في حياديتها) لتخفي حقيقة أهدافها التجارية والاستعراضية.
(آرت دبي) في دورته السادسة سيقام بعد أشهر (مارس/آذار 2012)، يسبقه بشهرين (آرت الهند) الذي سيقام في كانون الثاني 1012. يمكننا أن نقارن بين المعطيات الأولية التي افرزتها المعلومات الأولية الخاصة بالتظاهرتين، والتي صارت في متناول الاعلام الآن.

تدير آرت دبي امرأة بريطانية أو استرالية (لست متأكدا، فما من اشارة إلى جنسيتها في موقع التظاهرة) هي انتونيا كارفر فيما تدير آرت الهند امرأة هندية هي نيها كريبال. أكثر من سبعين بالمئة من القاعات المشاركة في آرت الهند ستكون هندية، اما بالنسبة لآرت دبي فان عدد القاعات العربية (القادمة من المنطقة التي سميت بلغة المنظمين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودبي جزء منها) فيمكن أن لا يتجاوز عدد أصابع اليدين من بين 74 قاعة مشاركة. الندوة النقدية المرافقة لآرت دبي والتي اتخذت عنوانا كبيرا هو (منتدى الفن العالمي) ينظمها ويشرف عليها ناشط هندي هو شمون باسار وليست هناك أية اشارة لناقد فني عربي اما الندوة المرافقة لآرت الهند فقد نشرت اسماء المشاركين فيها وجلهم من الهنود. يمكننا أن نذكر ايضا اسم (عليا سواتيسكا) وهي (ناشطة) اندنوسية أنيط بها تنظيم الجناح الاندنوسي الذي سيضم خمسة معارض في (آرت دبي).

من هذه المقارنة الميسرة يمكننا أن نخلص إلى فرق جوهري بين التظاهرتين: منظمو التظاهرة الهندية حرصوا على احترام المنجز الفني المعاصر لفناني بلادهم، فلن تكون الهند مجرد قاعة استقبال فيما ستكون دبي مكانا عائما في البحر ليس لدى أحد من منظمي تظاهرتها الفنية الرغبة في الحديث عن الهوية الفنية المعاصرة لفناني تلك المنطقة التي صارت من غير هوية ثقافية، فلجأت إلى الجغرافيا من أجل أن تكون موجودة في علم السياسة المعاصر، المبحر في عدوانيته.
في دبي لن يكون هناك فن عربي حتى لو عرضت أعمال فنية لفنانين عرب من قبل بعض القاعات التي ستعاني الغربة على أرض يُفترض انها عربية. الأمر سيكون كذلك بالنسبة لمنتدى الفن العالمي (وهو عنوان مضلل ومخادع بسبب غموضه وترهله وتشتته). ربما سيعمد المنظمون إلى استضافة بعض المغتربين العرب ممن لا يعرفون شيئا عن الفن العربي المعاصر ولا يجيدون الحديث بالعربية. غير أن الخسارة الحقيقية تكمن في أن المتحف العربي للفن الحديث في الدوحة سيستضيف جزءا من أيام تلك الفعالية التي لا تعترف أصلا بوجود فن عربي.

سيقال ان تلك التظاهرة مجرد سوق تجارية. سيقال ان رجال الأعمال والنشطاء (الناشطات) سيجتمعون تحت شعار الفن العالمي لمناقشة أحوال تلك السوق. ولكن ما يهمني، كما قلت في البداية، هو البعد الثقافي لتلك التظاهرة. كما الهنود أجد أن من حق العرب أن يعرضوا فنونهم على الآخر في سوق عالمية مثل هذه تقام على أرضهم. أرى أن من حقهم أن يقدموا فنونهم من خلال نظرتهم هم، لا من خلال نظرة الآخر المستورَد. الأمر لا يتعلق بتسويق نوع جديد من الساعات أو السيارات أو أجهزة الهاتف المحمول أو الشوكولاتا أوالأدوات المنزاية. يتعلق الأمر بروح ذلك الشعب، بتاريخه وهويته ووقائع حياته ورغباته والآمه ونزعته إلى الحرية والعيش الكريم. الفن ليس سلعة مجردة من كيمياء النفس البشرية وهي تسعى إلى انشاء عالم بديل.

لنتخيل مدى المهانة التي تتعرض لها القاعات الفنية العربية الراغبة في المشاركة في آرت دبي: امرأة بريطانية لا تعرف شيئا عن الفن العربي هي التي تحدد قيمة ما تعرضه تلك القاعات عليها، وهي التي تقرر صلاحية الأعمال الفنية للعرض من عدمها. لا يقع ذلك في أي مكان من العالم، ولن يقبل به أي شعب. وهنا لا بأس من التذكير أن هناك عددا عظيما من القاعات الفنية التي تنتسب إلى امارة دبي، ليست لها أدنى علاقة بالسكان المحليين. إنها قاعات ايرانية وهندية وبريطانية وباكستانية وجدت في دبي فضاء حرا لتسويق أعمالها.

هل صارت دبي فضاءا افتراضيا، أم سوقا للتجارة، تتساوى فيها الأعمال الفنية وأسهم الشركات العملاقة؟ في كلا الحالتين فقد كان على القاعات العربية أن لا تضفي على تلك التظاهرة زخرفا مبتذلا. لتُترك دبي إلى شأنها، مدينة عائمة هي أشبه بمعامل السمك في المحيطات البعيدة. وكما أرى نقديا، فان أية مساهمة عربية في تظاهرة من نوع آرت دبي وقبلها آرت أبو ظبي هي نوع من تعويم الضمير الثقافي والإنساني. لننظر بعمق إلى ما يفعله الهنود ونتعلم. 


مقالات اخرى لــ  فاروق يوسف

 

copyright © 2008  Al ZaQurA.com, Inc. All rights reserved 

 

 

Developed by
ENANA.COM