... ارسل الى صديق  ... نسخة للطباعه ...اضف الى المفضله Bookmark and Share

 

نقد

 

 

 

 
 
   
رسم يعالج السياسة عندما يتقاطع الدين والتاريخ

تاريخ النشر       21/04/2008 06:00 AM



 أصبح الفنان التشكيلي السوداني د.حسن موسى بفضل أعماله التشكيلية التي لا تحصى ولا تردعها حدود أيا كانت وبفضل كتاباته التي ينطبق عليها الشيء نفسه، في زمرة من يمكن أن يسموا «سفراء» الثقافة السودانية المعاصرة. فرغم اشتغاله بالتدريس (الذي يأخذ معظم وقته) في جنوب فرنسا حيث يعيش الآن، لا ينفك موسى عن إنتاج الجديد وإقامة المعارض بشكل شبه متصل وتأليف الكتب (تجاوز عددها الخمسة والعشرين) والدراسات، إضافة الى نشرته الثقافية الشهرية الخاصة التي يوزعها مجانا على الأصدقاء والمعارف وعلى كل من يرغب.

المتابع لأعمال موسى يلاحظ انه تشكيلي «رحالة» لا يريد الثبات في مكان واحد، رغم انه يمكن أن يرجع اليه متى شاء. فعلى عكس أغلبية الفنانين الذين ما إن استقروا في اسلوب معين من الرسم والتلوين، راق مزاجهم، حتى لبثوا فيه بقية العمر، يرفض موسى ان يتخذ من ضرب معين من التشكيل قوقعة يدخل فيها ويحتمي بها من رياح التغيير.
هذا الفنان يرفض الحدود والتصنيف والزنزانات الفنية عندما يتعلق الأمر بالفن التشكيلي. ذلك ان التشكيل بالنسبة اليه هو الكون نفسه مفتوحا لمن يرغب في سبر أغواره وتصوير أو تأويل ما يشاء منه في لوحاته.

في هذا الإطار افتتحت غاليري «باسكال بولار» في العاصمة البلجيكية بروكسل منذ 28 فبراير (شباط) الماضي معرضا فرديا لهذا الفنان يضم عشر لوحات عملاقة تعالج مواضيع سياسية عند تقاطع الدين مع تاريخ الفن الأوروبي.
ويستمر المعرض حتى 26 أبريل (نيسان) الحالي.
لوحات حسن موسى التي شهدها جمهور الفن العربي من قبل في «غاليري أجيال» البيروتية، و«غاليري أتاسي» الدمشقية، تأتي في أقمشة مطبوعة يحيكها ويرسم عليها مضيفا شخوصه وموضوعاته ويراعي فيها دور الموتيفات الموجودة مسبقا على سطح القماشة.
 
وفي هذه الأعمال المعروضة الآن في غاليري باسكال بولار يرى المشاهد أعمالا جديدة مثل لوحة «فن إزاحة الألغام» التي تعتمد على مرجعية لوحة الفنان الفرنسي جان فرانسوا ميّيه التي تعرض فلاحتين فقيرتين تبحثان عن القوت في الأرض. لكن لوحة حسن موسى تذهب الى أبعد من مجرد التباكي على شرط الفقر، وذلك بفضل إضافة بضعة أيد جريحة تعرض كيفية تضميد الجراح. وهو الأمر الذي يكسب صورة جان فرانسوا مييه دلالة سياسية جديدة.
 
وقد يتوقف نظر المشاهد أيضا عند لوحة أخرى معنونة «سان جورج يقتل التنين والعون الغذائي العالمي» وهي صورة مرجعها التشكيلي لوحة «سان جورج يقتل التنين» لفنان عصر النهضة رافائيل. لكن العنوان وطبيعة الموتيفات تنحرف بالدلالة الإسطورية للوحة رافاييل لتجعل من العمل مناسبة للتأمل في سخف العنف وعبثيته. ولحسن موسى سلسلة طويلة من اللوحات التي تعالج موضوع سان جورج والتنين يعرف قطاع من الجمهور العربي منها «سان جورج يقتل التنين ومتحف بغداد». وللمزيد من المعلومات عن تصاوير حسن موسى يمكن للقراء زيارة الموقع الإلكتروني لغاليري «باسكال بولار» في الرابط: http://www.pascalpolar.be/

ويمكن لجمهور بروكسل مشاهدة المزيد من أعمال الفنان موسى في معرض «باريس السوداء وبروكسل السوداء» الذي افتتح بمتحف إيكسل في العاصمة البلجيكية. وهوالمعرض التشكيلي والوثائقي الكبير حول الحضور الثقافي الأفريقي في العاصمتين الفرنسية والبلجيكية منذ بداية القرن العشرين حتى اليوم.
والمعرض ثمرة لتعاون منظميه الألمان «مركز إيوالوا هاوس» بجامعة بايرويت و«متحف ثقافات العالم بفرانكفورت» والبلجيكيين من «متحف إيكسل» تحت عنوان «بلاك باريس ـ بلاك بروكسل» (باريس السوداء وبروكسل السوداء)، وهو يحاول الإحاطة بما يسميه «الشتات (الدياسبورا) الإفريقي» عبر منظور تاريخي يتسع ليشمل حتى المجموعات العرقية ذات الأصل الأفريقي خارج القارة الإفريقية بدءا من السود الأميركيين وأهل جزر البحر الكاريبي ووصولا الى المجموعات السوداء المعاصرة التي تعيش في باريس وبروكسل.

ويعرض موسى ضمن مجموعة من الفنانين خمس لوحات كبيرة موضوعها إيقونة «جوزيفين بيكر» الراقصة الأميركية السوداء الشهيرة في العشرينيات والثلاثينيات والتي كانت ترقص على المسرح وحول خاصرتها حزام من الموز كناية عن أسلوب الحياة البدائية المنسوبة للأفارقة. وفي هذه اللوحات يحاول موسى مقاربة قضايا الهوية الإفريقية وتناقضات النظرة العرقية الأوروبية للسود والأفارقة. وقد اختار متحف إيكس، كملصق للمعرض واحدة من صور جوزيفين بيكر وعنوانها «من يشتهي الموز - الموت في بغداد؟». ويذكر ان هذا المعرض يستمر حتى 27 أبريل الحالي.

ولد حسن موسى في مطلع يناير (كانون الثاني) 1950 بمدينة النهود، إقليم كردفان، السودان. تخرج في قسم التلوين بكلية الفنون الجميلة بالخرطوم عام 1974 ونال الدكتوراه في تاريخ الفنون من جامعة مونبلييه الفرنسية عام 1990 وكانت رسالته عن «التحول في المراجع الثقافية عند أهل السودان الأوسط من خلال مثال الفنون التشكيلية المعاصرة». وهو يعرض أعماله منذ السبعينيات داخل السودان وخارجه بما في ذلك معظم العواصم الأوروبية إضافة الى كبريات المدن الأميركية وبعض العواصم العربية.
وحتى في كونه كاتبا، لا يتخلى موسى عن كونه تشكيليا. فهو يقول: «أظن أنني دخلت على الكتابة أولا من باب الرسم (...) كنت أرى إخوتي الأكبر سنا يكتبون في كراساتهم ويقرأون. وكانت كتاباتهم وقراءاتهم تبدو لي ضربا من السحر العجيب. فاتخذت لي أقلاما وأوراقا أخربش عليها شيئا شبيها بالكتابة... نوعا من خربشات تنتمي للمنطق الخطوطي لعلامات الكتابة ولتنظيم وحداتها الغرافيكية على نحو الكتابة الرسمية. وأظن أن خربشاتي هذه كانت تقابل بشيء من السخرية من قبل الكبار العارفين بالكتابة، كونها من جهة مفارقة للكتابة المدرسية الرسمية، ومن الجهة الثانية لم تكن تندرج في مقام الرسم الإيضاحي الذي كانت لي فيه مهارات. هذه «الكتابة المزيفة» التي كنت أمارسها، كاحتمال في الرسم، كانت مقروءة لي (وحدي) كنص بصري خامته الكتابة».

هذا «النص البصري» الذي يتخذ من حروف الأبجدية العربية (والصينية أحيانا) مادته الخام بلوره موسى في عدد من كتبه (وجميعها أصدرتها دار «غروندير» الفرنسية) مثل « قاموس فرنسي إنجليزي كله بالعربي» و«أبجدية شهرزاد» و«إن شاء الله» و«حكايات الخطاطين والسلاطين». ورغم ان هذا النوع من كتبه يبدو في ظاهره موجها للأطفال، فهو في الواقع أعمال لأعين الكبار أيضا بسبب المستوى الفكري - الفني العالي الذي تستبطنه.

وحسن موسى فنان متفرد ليس في تعدد أساليبه التشكيلية وإتقانه كلا منها بمهارة مدهشة وحسب، وإنما في أشياء صغيرة أيضا كأساليب عرضه التي تشمل «التشكيل الحي»... مثل خلق لوحة عملاقة من البداية الى النهاية أمام أعين زوار معرضه، أو تقديمه «لوحات سريعة» هدية لكل زائر ينجزها هذا الفنان على أطباق الورق، مثلا، محمولة على أيديهم.
أخيرا تبقى الحسرة كالعادة... وهي أننا لا ننتبه الى المبدعين من صلبنا وترائبنا إلا إذا قدمها الغرب للعالم... ولنا!





 

copyright © 2008  Al ZaQurA.com, Inc. All rights reserved 

 

 

Developed by
ENANA.COM